لماذا إعتزل شريف سلامة؟؟؟؟؟؟؟
كثٌرت الإشاعات و التكهنات عن أسباب إعتزاله
البعض قال قصة حب فاشلة
أخرون قالوا إنه لم يستطع الصمود فى المجال الفنى
إشاعات و إشاعات
أنا فقط أعلم لإننى كنت من ضمن القلائل معه فى ليلته الأخيرة
هل تسمحون لى أن أعرفكم بنفسى فى البداية
عادل عبد السلام تجاوزت الأربعين ببضع سنوات
أعمل بالجمارك
أستطيع أن أرى الكلمة التى تتبادر إلى أذهان الكثير منكم عند سماع كلمة جمارك و إبتسامتهم الخبيثة
يجب أن تعلموا جيداً أن أغلب رجال الجمارك شرفاء ذوى ضمير حى
العمل فى الجمارك شأن أى مهنة أخرى بها الصالح و الفاسد
عن نفسى
أنا كنت من القلة الفاسدة
أنا لا أمتلك هدية القدر الميراث
فأنا متزوج و أملك ثلاثة أطفال والرابع فى طريقه للحياة
الحياة صعبة أنتم تعلمون
أعباء و أعباء ومصاريف ومدارس ودروس خصوصية و مواصلات
حسناً كل هذه التبريرات التى قدمتها لا تبرر خيانة الأمانة
ولكنى لست لصاً كبيراً
مجرد عمولات بسيطة و هدايا عينية
كى أستطيع عبور الأيام مع أسرتى
اه هناك شىء مهم يجب أن تعلموه عنى
أنا فنان
لو أردتم الدقة
كنت فناناً
صوتى لا بأس به,أكتب الشعر,أعزف العود
ولكن الوظيفة و قسوة الحياة قضوا على كل هذا
من وقت لأخر أذهب إلى حفلات المراكز الثقافية ,الأوبرا
أقضى فيهم ساعتين ,بالعربى كده بينعنشونى صح
أرجع إلى بيتى بعدها و أحضن عودى وأبدأ فى الغناء
منذ حوالى سبع سنين تعرفت على شريف سلامة
كانت أول حفلة له غنى فيها منفرداً على العود أغانى من التراث لسيد درويش ثم غنى فى النهاية أغنيتن من تأليفه و ألحانه
من الأغنية الأولى أدركت أته موهوب و مختلف
ذاع صيت شريف بعدها فى المراكز الثقافية ولم أفوت حفلة واحدة له كنت مستمع دائم له فى جميع حفلاته
بعد حوالى أربع سنوات من بدايته الفنية كون شريف فرقته الخاصة وبدأ يسلك مسلكاً مختلفاً فى غناؤه
بدأ يغنى للعديد من الأفكار الجديدة الطازجة
تقلصت مساحة الحب فى أغانيه
كان يغنى للوطن,للأرض,للصداقة,للحرية,للذكريات,للحياة
كل ما يمكن أن تتخيله من أفكار كان يناقشها فى أغانيها التى كان يشترك فى تأليفها مع فرقته
مع إرتباطى الشديد بحضور حفلاته بدأت أسأل عن أصوله و أستقصى المزيد و المزيد عنه
شريف سلامة من أسرة ميسورة الحال والده يمتلك شركة مقاولات كبرى,شريف يعمل مع والده فى الصباح وفى المساء تكون بروفات مع فرقته أو حفلة
يقولون عن شريف إنه دمث الخلق ,خجول جداً أى كلمة ثناء تحَمر وجنتيه
المقربون من شريف يقولون أن شريف رافض تماماً لفكرة إحتراف الغناء و أن يكون هو مصدر رزقه الوحيد
شريف إتبع نظاماً فريداً فى حياته منذ أن كون فرقته أثار سخط الكثيرون عليه ولكنه صمد
فمثلاً رفض تماماً إقامة أى حوارات صحفية معه أو فرقته كان يرى إنه لا يوجد ما يقولوه فكل ما يريدوا أن يقولوه يقولوه فى أغانيهم
منع إستخدام إستخدام أى تكنولوجيا فى أغانيه,لا توجد الالات موسيقية تعتمد على الكهرباء,لا توجد أجهزة صوت ,حتى الميكرفون ألغاه تماماً من حفلاته
كان يرى إن التكنولجيا مع فوائدها الجمة تقلل من إحساس الناس بالغناء
هو يغنى بحنجرته فقط
عدد الأفراد فى حفلاته لا يزيد عن مائتى شخص كان يرى إنه كلما زاد العدد كلما قل تركيزه وإحساسه
فهو يردد دائماً إنه لم يحلم بإنه يغنى أمام أكثر من عشرة أشخاص فما بالك بعشرات الأفراد
شريف لم يدخل يوماً الأستوديو كل أغانيه تم تسجيلها من حفلاته ونزلت على شرائط كاسيت بدون إذنه
تعرض لهجوم شديد من الصحف و المجلات الفنية ونعتوه بإنه ديكتاتور و معقد نفسياً
ولكن شريف صمد و أصبح ظاهرة فنية فعلاً
فى عز مجد شريف سلامة توقف عن الغناء لحوالى ستة شهور لأسباب غير معلومة
بل و توقف عن ااذهاب لعمله وقبع فى بيته رافضاً التحدث لأى من معجبيه أو أصدقائه
ستة أشهر كاملة لم أستمع إلى شريف
كنت فى أسوأ حالاتى النفسية
كان صوت شريف هو المهدىء لكل الامى النفسية
بعد تلك الستة أشهر تم الإعلان أخيراً عن حفلة لشريف سلامة
لأول مرة شريف يسمح بدخول ثلاثمائة شخص إلى محرابه الخاص,ومع ذلك نفذت التذكر يوم صدورها ,إستطعت الحصول على تذكرة بصعوبة شديدة من السوق السوداء بسعر يتجاوز ثلاثة أضعاف السعر الأصلى
فى تلك الليلة بدأت فرقة شريف كالعادة بعزف بعض المقطوعات الموسيقية قبل ظهوره
هل هذا شريف سلامة حقاً؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الكثيرون لم يعرفوه من شدة نحافته
وبدأ شريف فى الغناء
شريف لم يغن من قبل كما غنى فى تلك الليلة
غنى كل أغانيه القديمة
كان يغنى بصوت مجروح
عن الوطن وعن فلسطين وعن بغداد
وغنى أغنية جديدة عن المعنى
كان يقول ويأكد لنا فيها إن كل شىء فى الحياه له معنى حتى ولو كان بسيط لكنه جميل
الألم له معنى,الأمل له معنى, الوطن له معنى
كنت فيما مضى يرتعش جسدى من أغانى شريف و حسه المرهف
تلك الليلة بكيت كما لم أبك من قيل
كان صوت شريف يحرقنى من الداخل
كنت أريد أن أجرى إلى شريف و أحضنه
وصمت شريف
تصقيف متواصل لمدة عشر دقائق,حتى فرقته كانت تصقف له
وشريف كان ينحنى بكل أدب مستقبلاً تهانى الجمهور,ثم إستأذن من الجمهور إنه يريد أن يقول شيئاً
لم تكن تلك عادة شريف أن يتحدث مع الجمهور كان دائماً خجله يمنعه من ذلك
شريف بدأ فى الكلام:هل من الممكن أن أسالكم سؤال وأرجو من الصدق و الصراحة فى الإجابة
الجمهور فى حماس:إتفضل يا شريف
شريف:إنتو بتحبوا الأغانى اللى أنا بقدمها
الجمهور يصقف بشدة و يهتف بإسم شريف
شريف يرفع ذراعه طالباً من الجمهور التوقف عن التصفيق:أنا بس عايز أسألكم أنا الأغانى بتاعتى بتمثل إيه بالنسبلكم
"وضعت يدى على قلبى, شعرت تماماً بما هو مقبل عليه ,كانت عشرتى الطويلة مع أغانيه قد جعلتنى أقترب من روحه"
يقف أحد المستمعين يبدو عليه الوقار:يا أستاذ شريف حضرتك بتقدم فن محترم جداً فى مواجهة المسخرة اللى إحنا شايفينها
شريف:أشكرك بس أنا نفسى أعرف أنا بقالى سنين بغنى للوطن و الإيمان والصداقة و حاجات تانية كتير ,نفسى أعرف حد فيكم مرة أثرت فيه أغنية خلته يغير من نفسه أو يعمل حاجة كويسة
سكوت تام من الجمهور
شريف:من فضلكم إتكلموا أنا بقالى ست أشهر مش قادر أغنى حاسس إنى مابقدمش أى حاجة مفيدة فى حياتى إيه فايدة إنى أغنى أغانى ليها معنى طالما الناس مش حاسة بيها, خلاص بقى أغنى هلس أحسن
يقف أحد الشباب:يا أستاذ شريف أنا حضرت الحفلة اللى غنيت فيها "لما ترجع" أول مرة ,وكنت متخانق مع أقرب أصحابى وحلفت إنى بعد م أطلع من الحفلة حاروح أصالحه على طول على بال ما وصلت شارعه قولت لنفسى إشمعنى أنا اللى أبتدى بالصلح وليه مش هوا
أحد الحضور:يا شريف إنت مهما غنيت صعب أوى إن حد يتأثر بكلامك صعب أوى الناس تتغير من كلام حلو بس
"لماذا توقف لسانى عن الكلام ,الدموع تخنقنى,أتنفس بصعوبة بالغة"
أحد الحضور:أنا فعلاً تأثرت بأغنية" أرضىٍ" و قررت إنى أشتغل علشان البلد مش علشانى أو علشان عيلتى ,بس بعد أسبوع قلت لنفسى هوا أنا يعنى اللى حاصلحها لوحدى أياكش تولع
واحد تانى:مش عارف أقولك أيه بس شيخ الجامع عندنا اللى إسمه رجل دين كل يوم جمعة يوعظنا ويقول كلام حلو ,بس عمرى ما عملت بيه
يبدأ الهرج والصخب يتزايد والأصوات ترتفع فى غوغاء وشريف يقف ممتقع الوجه يتلقى الضربات
يبرز صوت:وكمان الموسيقى حرام
صوت أخر:أيوة يا أخى إزاى عايزنا نسمع كلامك وهو قايم على باطل أساساً
صوت ثالث:وبتيجوا ليه يا ولاد الكلب طالما هى حرام
صوت أخير:يا شريف ده شعب إبن جزمة عمره ماحيتصلح
شريف يقع مغشياً عليه فوق خشبة المسرح
كل تلك الأحداث التى وقعت قبل عام من الأن كانت تدور فى رأسى و أنا متجه إلى شركة شريف سلامة
أصعد سلالم شركته و أتوجه إلى السكرتيرة
تسألنى إن كان هناك موعد سابق, أقول لها إنه لا وإننى أريده فقط لخمس دقائق
تسألنى عن إسمى أجاوبها بإنه لن يتذكرنى ولكنى أعرفه جيداً ,تغيب لدقائق فى غرفة شريف ثم تأذن لى بالدخول
أدخل الغرفة
حقيقةً تغير شريف كثيراً ,أصبح ممتلاءً قليلاً,إرتدى نظارة طبية ,نظرة عينيه خاوية تماماً لا تحوى أى ذكرى من شريف القديم
رحب بى ودعانى للجلوس ,وطلب لى عصير ليمون
شريف بكل ود و ترحاب: متعرفناش بحضرتك
أنا فى حسرة:كنت فاكرك حتفتكرنى
شريف فى خجل شديد:أسف جداً هوا الصراحة الشكل مألوف بنسبة كبيرة بس مش قادر أتذكرك كويس
أنأ:أنا حضرت كل حفلاتك
شريف ينقلب وجهه فى لحظة:أسف جداً يا أستاذ هنا مكان شغل و أنا قفلت الموضوع ده من زمان
أنا:أنا كنت عايز أقولك بس حاجة واحدة
شريف فى نفاذ صبر:إيه
أنا:أنا إسمى عادل عبد السلام بأشتغل فى الجمارك و الصراحة أنا مرتشى باخد عمولات بسيطة فى مقابل إنت فاهم طبعاً
شريف بنظر لى فى إحتقار شديد
أتابع كلامى :بس أقسم بالله العظيم من ساعة حفلتك الأخيرة و أيدى ما لمستش الحرام,إنت يا أستاذ شريف ورتنى إن فيه لسة فى الدنيا ناس كويسة ,أنا بقيت إنسان تانى بسببك يا أستاذ شريف ,بقيت إنسان نضيف
أرى الصراع داخل عينيه
بريق ما يحاول إزاحة الغشاوة من فوق عينيه
فرحة تغشو وجهه لثوانى معدودة
شريف:تقدر تقولى حضرتك إيه المطلوب منى دلوقتى
أنا:مش مطلوب من حضرتك حاجة بس أنا كنت شايف إن ده حقك إنك تعرف إنك قدرت تحول إنسان فاسد زيى لإنسان كويس بفضل أغانيك
شريف:شكراً جداً يا أستاذ عادل بس تقدر تقول إنى نسيت الموضوع ده
أرى المعاناة الشديدة على وجهه,هو يعانى الأن كل مشاعر الفرحة و الألم و الحزن
لوحة سريالية للحياة رٌسمت على وجهه
أقف معلناً إننى لن أخذ من وقته أكثر من هذا و إننى أديت مهمتى و أرضيت ضميرى
شريف يقف مودعاً:فرصة سعيدة يا أستاذ عادل مسرور جداً بمقابلتك دى والله
أغادر غرفته وفى نهاية الرواق المؤدى إلى غرفته أسمع صوته ينادى بإسمى
يسرع الخطى إلى ويقول أنا قولت عيب برضوه لازم أوصلك لحد باب شركتنا
أنا:حضرتك ذوق جداً مش لازم تتعب نفسك
شريف:يا راجل عيب دانتا ضيف عزيز
يتأبط ذراعى ونبدأ فى السير
أبدأ فى غناء أحب أغانى شريف إلى قلبى بصوت خفيض
صدقنى يا صاحبى
لسة الأمل موجود
أن الحياة تبتسم
وأن الورود تترسم
فوق خد طفلة جميلة
شريف ينظر إلى و أنا أغنى
أتوقع أن يشاركنى الغناء ولكنه يصمت تماماً و تبدأ الدموع فى غزو عينيه
على باب الشركة يقول لى شريف:أستاذ عادل الشركة دى شركتك تيجى فى أى وقت ومكتبى دايماً مفتوحلك
أودعه شاكراً كرم ضيافته
أخرج من الشركة إلى الشوارع
أسير وأنا أصفر واضعاً يدى فى جيوبى كأنى فى بدايات شبابى
لأول مرة أشعر أنى عملت عملاً صالحاً فى دنياى
حقيقةً أنا لا أزال كما أنا
مرتش حقير
الحياة تثبت دائما ضعفى الشديد
لازلت أتقاضى الرشاوى
أشعر أنى أريد أن أخنق هذه الحياة التى تتفنن فى إذلالى
أقر فى نفسى أن شريف لا يصلح لهذه الحياة
كان بودى أن أكون شخصاً صالحاً لأجلك أنت فقط يا شريف